الاقتصاد الاردني . . أين أخطأنا؟

الاقتصاد الاردني . . أين أخطأنا؟
خبرني – كتب د.رعـد محمـود التـل:
قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية
قد تكون المراجعة العامة للمسارات الاقتصادية على مدار السنوات السابقة إحدى أهم المحطات لتصويبها! فالاشارة لمكامن الخطىء ليس من باب النقد العدمي، بل هو تشخيص لواقع صعب وصلنا إليه نتيجة مسببات صنعتها سياسات خاطئة أنتجناها "بأيدينا" أو مسببات لا علاقة لنا بها خلقتها ظروف خارجة عن إرادتنا! كما أن الاشارة للخطىء هي ليست من باب التنظير أو الادعاء بأن طرف يملك الحل دون غيره! بل هي من باب المراجعة الموضوعية لما كان، تجنباً للخطىء وتعزيزاً للصواب!
فالباحث في تفاصيل الاقتصاد الاردني خلال العقدين الأخيرين، يرى إبتداءً بأن هناك خللً في البنية الهيكلية للاقتصاد الاردني، حيث يعتبر هذا الاقتصاد اقتصاد خدمي يشكل قطاع الخدمات ما نسبته 72% من الناتج المحلي الحقيقي في الاردن، ويشكل قطاع الصناعة ما يقارب 24% من الناتج، وما تبقى يشكل مساهمة القطاع الزراعي! وبالتالي أي أثر سلبي على الاقتصاد الاردني سينعكس مباشرة على القطاع الاكثر مساهمة في الناتج والاكثر تشغيلاٍ للأردنيين وهذا ما حدث تماماً خلال جائحة كورونا!
فلو قمنا بربط ارتفاع نسب البطالة القياسية التي وصلنا إليها في الاردن مع البنية الهيكلية للاقتصاد الاردني، سنرى بوضوح أن هذه البنية الاقتصادية قد ساهمت بوصول الاردن لأعلى معدلات البطالة فيي المنطقة بعد لبنان %36 (مصر حققت معدل بطالة 7.5% خلال الربع الثالث من 2021)!لقد أثرت جائحة كورونا على القطاعات الاقتصادية المختلفة وكان أكثرها تأثراً قطاع الخدمات الذي يشغل ما يقارب 70% من القوى العاملة في الاردن حسب أرقام البنك الدولي!
من جانب آخر، فإن متوسط معدل النمو الاقتصادي قد تراوح خلال العقيدين الأخيرين، فقد بلغ ذلك المتوسط ما يقارب 6.4% خلال الفترة (2001-2010) ولم يتجاوز 2% خلال الفترة (2009-2019)! هذا النمو الذي تحقق وبمعدلاته المتفاوته كان يحكمه مجموعة متغيرات ومسببات ساهمت بارتفاع معدلات النمو كالإنفاق الكلي والانفاق الاستثماري وحجم الصادرادت والانفاق الاستهلاكي وتحويلات العاملين وتدفق الاستثمار الاجنبي المباشر، وحين تأثرت وانخفضت انعكس ذلك على معدلات النمو الاقتصادي!
ضمن هذا المتوسط في معدل النمو الاقتصادي (2%) فإن فرص العمل المستحدثه في سوق العمل الاردني وحسب أرقام دائرة الاحصاءات العامة ترواحت خلال العقد الاخير ما بين 45-60 ألف فرصة عمل سنوية يخلق أغلبها القطاع الخاص! طبعا هذه الارقام لا تستطيع استيعاب الأرقام المزايدة للقوى العاملة وللداخلين الجدد لسوق العمل الاردني والذي يقدر عددهم بما يقارب 150 ألف سنوياً! وبالتالي ما نحتاجه حسب إحدى الدراسات بأن يصل معدل النمو الاقتصادي الحقيقي للناتج المحلي الاجمالي بحد أدنى ليقارب 6% حتى نستطيع توفير ما بين 120 الى 150 ألف فرصة سنوياً!
في الفترة الممتدة ما بين العامين (2001-2010) بلغ متوسط معدلات النمو الاقتصادي ما يقارب 6.5% كما ذكرنا أعلاه، فهل كان الاقتصاد الاردني يستحدث هذا الرقم من فرص العمل؟ الاجبة تكمن في الارقام فقد استمرت البطالة بنسب عالية نسبياً، ومستقرة عند نسبة من 12-15٪ خلال تلك الفترة، وهنا يكمن الخطىء الثاني من وجهة نظرنا، فقد تم التركيز خلال تلك الفترة على القطاعات الاعلى مساهمة في الناتج (مثل قطاع الانشاءات) لكن تلك القطاعات لم تكن الأعلى توظيفاً للأردنيين!
إن بنية وهيكلية الاقتصاد الاردني والذي يتركز ويعتمد بشكل أساسي على قطاع واحد دون تنويع متوزان (نسبياً) بين القطاعات الاقتصادية يستغل الميزة التنافسية للقطاعات الاخرى في الاردن، بالإضافة الى التركيز على أرقام النمو الاقتصادي للقطاعات دون النظر بصورة موضوعية للقطاعات الأكثر توظيفاً واستيعاباً وخلقاً لفرص العمل في السوق الأردني قد ساهم وبشكل كبير لتأزيم المشكلة الاقتصادية في الاردن وارتفاع قياسي لمعدلات البطالة بين شبابه! وللحديث بقية.
صحيفة الغد
المصدر : خبرني