هكذا يمكن أن تُحل أزمة أوكرانيا

هكذا يمكن أن تُحل أزمة أوكرانيا
خبرني – منذ ثلاثة أشهر حشدت موسكو نحو 130 ألفًا من جنودها على حدود أوكرانيا، مطالبةً الغرب بضمانات أمنية بعدم توسُّع حلف الناتو في أوكرانيا، وفيما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن روسيا حشدت كافة القوات اللازمة لشن عمل عسكري في القريب، فإن روسيا أكدت في المقابل أنْ ليس لديها خطط للغزو، ومع ذلك فمجرد حشد القوة العسكرية على حدود أوكراينا عرَّض المنظومة الأوروبية ككل لأخطار جمَّة، أسئلة للمتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لويس ميجيل بوينو، لاستيضاح أبعاد الموقف والوقوف على آخر تطورات الوضع عسكريًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا.
يقول ميجيل بوينو إن الاتحاد الأوروبي يتفهم المخاوف الروسية بخصوص الواردات العسكرية لحلف الناتو على الأراضي الأوكرانية، إذ يتبنى الاتحاد قاعدة «إنه لا يجب الحفاظ على أمن دولة على حساب دولة أخرى»، لكن هذا ينطبق أيضًا على أوكرانيا، فهي محاصَرَة بقوات روسية برية وبحرية في الشمال والشرق، فعلى الرغم من أنها دولة مستقلة ذات سيادة إلا أنها تعاني من احتلال روسي لمنطقة القِرم منذ 2014.
وأضاف المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي إن شعور الروس بالتهديد من جهة أوكرانيا لا يقوم على أسس واقعية، فلا أحد في العالم، وعلى الأقل في أوروبا، يريد مهاجمة روسيا أو الاعتداء عليها، بالعكس، يريد الأوروبيون علاقات جيدة مع روسيا على كل المستويات، ولكن للأسف لا نية من السلطات الروسية لتحسين هذه العلاقات، وإلى نص الحوار.
برأيك هل ستقوم روسيا بغزو أوكرانيا؛ أم أنها تقوم بمناورة لأجل تقديم تنازلات أمريكية وأوروبية فيما يتعلق بوقف توسع الناتو شرقًا، وإنشاء قواعد عسكرية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا؟
نحن نرى من بداية الأزمة أن هناك محاولة من طرف السلطات الروسية لإعادة تشكيل البنية الأمنية الأوروبية التي جرى التوافق عليها من خلال اتفاقيات مختلفة، مثل اتفاق هلسنكي عام 1975، وباريس عام 1990، وإعلان أستانا وإعلان إسطنبول، وما إلى ذلك.
وكل هذه الالتزامات تقول ببساطة إن هناك مبادئ أساسية للبنية الأمنية الأوروبية، وروسيا طرف في هذه الالتزامات التي توجب احترام حرية أي دولة، سواءً كانت أوكرانيا أو غيرها، بأن تكون طرفًا في أي تحالفٌ كان، وأقصد بذلك حلف الناتو.
لكن ما نراه منذ بداية الأزمة، والحشد العسكري الروسي الكبير منذ السنة الماضية، هو أن هناك اتجاه لتغيير هذا الواقع من طرف السلطات الروسية، ولذلك بدأت المباحثات والمشاورات بين الأطراف، لكنها تجري تحت ضغوطات عسكرية.
سنعود إلى الحديث عن الاتفاقيات، لكن اسمح لنا أن نتحدث عن موقفين متباينين حول مسألة الغزو الروسي؛ فالتصريحات التي تخرج من كييف تستبعد وجود غزو روسي، وفي المقابل تروِّج الولايات المتحدة لفكرة وجود غزو روسي قادم، فكيف نفهم هذا التباين؟
يعتقد البعض أن هناك نية لغزو أوكرانيا باعتبار وجود مؤشرات مختلفة على الصعيد العسكري، والصعيد الأمني منذ شهور، وهذه المؤشرات تضع احتمالية قيام روسيا بالاعتداء على أوكرانيا، وهناك مخاوف أوكرانية منبعها هو ما حدث في الماضي، حين انتهكت السلطات الروسية بعض القوانين الدولية، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، في القِرم وشرق أوكرانيا، وقبل ذلك ما فعلته في جورجيا، فإذا حشدَ طرف هذه الأعداد الكبيرة من الجنود على حدود دولة، فمن الطبيعي أن تكون هناك مخاوف.
القوات الروسية في القرم
لكن، وعلى الرغم من كل هذا، هل لدينا معلومات تشير إلى وجود غزو وشيك؟ الإجابة هي لا؛ ليس لدينا أي معلومة استخباراتية قد تشير إلى أنه سيكون هناك غزو روسي وشيك لأوكرانيا، ولكننا مستعدون لهذا المسار.
إذا لم يكن هناك غزو وشيك؛ فلماذا تتحرك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دبلوماسيًّا بهذه القوة، فضلًا عن التلويح بالعقوبات ضد روسيا، مقارنةً بموقف أقل حدة في السابق عندما اجتاحت روسيا منطقة القِرم؟ أو حتى خلال العملية العسكرية في جورجيا عام 2008، ما الذي تغيَّر في الموقف الأخير؟
رد الفعل الأوروبي، على الأقل، في المواقف السابقة كان واضحًا جدًّا؛ فقد اعتمدنا حزمة شديدة من العقوبات على روسيا، ولا تزال قائمةً على أشخاص وكيانات روسية، والأمر قد يكون مختلفًا الآن بسبب هذه التجارب السابقة بالذاتفقد رأينا الاحتلال الروسي للقرم، والانتهاكات في دونيتسك (Donetsk) ولوهانسك (Luhansk)، في شرق أوكرانيا، وأصبحنا نرى حشدًا كبيرًا من الروس على الحدود الأوكرانية مرةً أخرى، ومن ثم تظل هناك بعض المخاوف من إمكانية الغزو الروسي على أوكرانيا بالكامل.
لكن أود أن أشير إلى نقطة مهمة؛ فالمطلوب الآن بالنسبة للاتحاد الأوروبي وحلفائنا الدوليين هو الحوار والمفاوضات، وهناك قنوات دبلوماسية مفتوحة بالفعل مع الروس والأوكرانيين، وهذه المباحثات مهمة جدًّا الآن.
إذا كنت تؤكد أهمية القنوات الدبلوماسية؛ فلماذا دخلت غواصة أمريكية المياه الإقليمية الروسية؟ وما موقفكم من هذا التصرف… الذي قد يُفسر على أنه إشعال للأزمة؟ كما أن إرسال قوات عسكرية باستمرار إلى دول شرق أوروبا يزيد من التوترات، ولا يقوم بخفضها، كيف ترى الأمر؟
أنا لا أشك في أهمية الجهود الدبلوماسية الأمريكية في هذا الصدد، فقد جرت سلسلة من الاجتماعات بين الطرفين: الأمريكي والروسي، واتصالات بين رئيسي الدولتين، وموقف الولايات المتحدة تجاه الطرف الروسي يقول بوضوح: إنه لا يمكن أن نتفاوض على حساب الأمن الأوروبي، والمبادئ المشتركة للأمن الأوروبي، وهي مبادئ جرى التوصل إليها عبر مفاوضات شاركت فيها روسيا، كما ذكرتُ من قبل؛ لذلك أظن أنه من مصلحة الجميع، بما في ذلك الطرف الروسي، عدم حدوث حرب أو هجوم عسكري على القارة الأوروبية.
أما بخصوص إرسال الغرب للجنود والمعدات العسكرية إلى أوروبا الشرقية، فهو رد فعل للحشد الروسي على حدود أوكرانيا، فالروس هم من بدأوا الأمر، لذا نعتقد أن هذا رد فعل طبيعي عندما نرى هذه الحشود على حدودنا.
في حال هاجمت روسيا بالفعل أوكرانيا، هل يمكن أن نرى رد فعل عسكري كأحد خيارات المواجهة مع روسيا؟
لا يمكنني التنبؤ بذلك، هذه تكهنات، ولكن أتصور إذا حدث اعتداء عسكري على أوكرانيا، فستكون هناك تبعات.
ربما تكون أوكرانيا أضعف من مجابهة روسيا وحدها، لذا نتساءل: هل من الممكن أن تكون هناك مجابهة عسكرية أوسع؟
مرة أخرى لا أعتقد أنه من الممكن التنبؤ بهذا الآن، نحن نُركِّز جهودنا على تجنب ذلك، لكن إذا حدثت بالفعل مواجهة عسكرية في القارة الأوروبية، فأعتقد أن الجهود الدبلوماسية ستستمر لتجنب توسيع نطاق الحرب خارج أوكرانيا، ولا بد أن يكون التركيز الآن على الجهود الدبلوماسية، والطرف الروسي مُصِرٌّ على استمرار المباحثات الدبلوماسية أيضًا، وهذه هي أولوياتنا حاليًا.
هل يمكن أن تتخلى أوروبا عن ضم أوكرانيا إلى الناتو في سبيل تجنب احتمالية الحرب؟
هذا سؤال يوجَّه إلى حِلف الناتو، لكننا في الاتحاد الأوروبي نقول إن الانضمام لحلف الناتو خيار سيادي لأي دولة، سواء كانت أوكرانيا أو غيرها، ومن هنا ندافع عن سياسة «الباب المفتوح»، كما لا نمانع انضمام دولة إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي في موسكو، فمن حق أوكرانيا أن تنضم إلى المنظمة التي تريد.
وفقا لـ«إعلان أستانا» لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 2010، هناك نص لا يجيز للدول أن تعزز أمنها على حساب أمن دولة أخرى، ومن ثم للروس مخاوف أيضًا، لماذا لم يجرِ مراعاتها؟
نحن مدركون أن هناك بالفعل مخاوف وشواغل روسية، ويجب معالجتها من خلال المفاوضات، ينبغي أن نتحدث مثلًا عن الصواريخ والواردات العسكرية لحلف الناتو، ولكن عندما يقول الطرف الروسي إنه لا يجب الحفاظ على أمن دولة على حساب دولة أخرى، فهذا ينطبق أيضًا على أوكرانيا، وعلينا ألا ننسى أنها محاصَرَة الآن بقوات روسية برية وبحرية في الشمال والشرق، ورغم أنها دولة مستقلة ولها سيادة، فإنها تعاني من احتلال روسي لمنطقة القِرم منذ 2014، ولا توجد دولة في العالم تعترف بالسيادة الروسية على القرم.
تظاهرة لمواطنين أوكرانيين ضد الغزو الروسي لبلادهم
هناك أمر ثانٍ، نحن نستمع إلى تصريحات للسلطات الروسية تقول إن روسيا مهدَّدَة، ونتساءل بدورنا: مهدَّدَة مِمَّنْ؟ فلا أحد في العالم، وعلى الأقل في أوروبا، يريد مهاجمة روسيا أو الاعتداء عليها، بالعكس، نحن نريد علاقات جيدة مع روسيا على كل المستويات.
ولكن للأسف الشديد لا توجد نية من السلطات الروسية لتحسين هذه العلاقات، لذا نقول بوضوح للسلطات الروسية، إن هناك مصلحة مشتركة لتحسين هذه العلاقات على المستويات التجارية والاستثمارية وما إلى ذلك، وهناك فرص مختلفة ليس فقط في مجال الغاز، ولكن في مجالات أخرى، ويبقى علينا أن نتحدث ونتفاوض.
على ذكر مجال الغاز، هل يمكن أن تؤثر إمدادات الطاقة الروسية في الموقف الأوروبي؟ وهل ستؤدي إلى وجود تباين في المواقف داخل الاتحاد الأوروبي، وتحديدًا ألمانيا بصفتها أكثر المستفيدين من الغاز الروسي، وقد سبق لكييف أن اشتكت من رفض برلين طلباتها فيما يخص عمليات تسليح جيشها؟
نحن ندرك أن هناك اعتمادًا أوروبيًّا كبيرًا على الغاز الروسي، فأكثر من 40% من الغاز الأوروبي يأتي من روسيا، ويمر أغلبه بالمناسبة عبر الأراضي الأوكرانية، فنحن ندرك ذلك، ومن ثم هناك خطوة مهمة باتجاه تنوع مصادر الطاقة وخاصة الغاز، ونتحدث الآن مع النرويج وقطر والولايات المتحدة في هذا الصدد، وهناك ربط أيضًا بين هذا التنوع والتغير المناخي والتحول إلى الطاقة النظيفة.
لكن ألمانيا تدرك أنها تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، وعندما نتحدث عن مشروع «نورد ستريم 2» (Nord Stream2) فإن مصير هذا المشروع مرتبط بالتصرفات العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية، كما ذكر جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وهذه هي التصريحات نفسها التي أدلت بها وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، فأعتقد أن الموقف الأوروبي موحد فيما يتعلق بالطاقة؛ وعلى المدى القصير نحن مدركون أننا بحاجة إلى تنويع مصادرها.
نرى انحيازًا صينيًّا للموقف الروسي، فهل بدأنا نشهد تشكُّل محاور دولية جديدة؛ محورًا صينيًّا- روسيًّا، مقابل محور أوروبي- أمريكي؟ بصورة أخرى، هل أصبحنا أمام محاور تعيد صورة الحرب الباردة مرة أخرى؟
لا، لا يمكن أن نعيد الحرب الباردة مرة أخرى، صحيح يبدو أن الصين تدعم بشكل أو بآخر الموقف الروسي، لكن هذا لا يؤثر في موقفنا من السلوك الروسي، والدول التي تتشارك في الموقف نفسه مع روسيا سننقل لها الرسالة نفسها التي تدافع عن احترم القانون الدولي، وتدافع عن المبادئ الأساسية للبنية الأمنية الأوروبية، وتدافع عن احترام سيادة الدول.
المصدر : خبرني