أخبار الأردن

شاهد بالفيديو.. أناس يتجردون من إنسانيتهم

شاهد بالفيديو.. أناس يتجردون من إنسانيتهمشاهد بالفيديو.. أناس يتجردون من إنسانيتهم

صدمت وأنا أتصفح تويتر بالعديد من الحسابات التي عرضت فيديو الشاب رحمه الله، الذي ألقى بنفسه من فوق جسر عبدون. وكان بشعا نقل الفيديو من قبل أناس يسمون أنفسهم نشطاء وصحفيين، حتى أن مواقع تسمي نفسها إخبارية نقلت الفيديو، وبعضها نقله مسبوقا بجملة: شاهد بالفيديو..

الفيديو مؤلم ومفجع وصادم، وأي من يشاهده سيصاب بصدمة، فكيف زين هؤلاء "النشطاء" و"الصحفيون" لأنفسهم رفع الفيديو على تويتر وغيرها من المنصات.

نشر الفيديو هو فعل ينم عن انعدام الإنسانية وتردي الأخلاق، فلا سبق صحفي في نشر فيديو لشخص ضاقت به الدنيا فانتحر، وسحقا للايكات التي تدفع من يسمون أنفسه نشطاء لنشر هذا الفيديو.

لن أدخل في قضية الانتحار، ولكن في عجالة سوف أعيد التأكيد على أن المنتحر هو ضحية، ودعك من هراء المتنطعين بالدين الذين يتطوعون لوضع المنتحر خالدا مخلدا في نار جهنم، وهذا الموضوع سبق أن تكلمنا فيه في مقال سابق نشره موقع خبرني الأغر، تحت عنوان " الانتحار.. بين تكفير المنتحر وإلقائه في النار"، وهذا رابطه

https://bit.ly/3KBE2ir

الحقيقة هي أن نشر هذا الفيديو يجب أن يكون عنوانه: شاهد بالفيديو.. أناس يتجردون من إنسانيتهم وينشرون فيديو جسر عبدون. فنشر هذا الفيديو يكشف عن استهتار بالحياة، وعدم الرحمة، وتسخيف لمحنة الشاب الضحية رحمة الله عليه.

وفقا لتقرير نشر في التايم للكاتب جيمي دوكرمي في 2018، فإن التعرض لقصص الانتحار، سواء بشكل مباشر أو من خلال وسائل الإعلام -وهو أمر يشمل أيضا منصات الإعلام الجديد كمواقع التواصل الاجتماعي- قد يجعل الناس أكثر عرضة للجوء إلى السلوكيات الانتحارية بأنفسهم. هذه الظاهرة لها اسم: عدوى الانتحار suicide contagion.

لذلك فإن نشر فيديو الانتحار بالإضافة إلى أنه استهتار بحقوق الشخص الضحية نفسه، ومشاعر أهله الذي سيشاهدون ابنهم وهو ينتحر، فهو أيضا قد يحمل خطر على صحة من يشاهده.

ونقل تقرير التايم عن ورقة بحثية نشرت في مجلة الجمعية الطبية الكندية Canadian Medical Association Journal، أن بعض الممارسات مثل تضمين الكثير من التفاصيل حول الوفاة عن طريق الانتحار، أو إضفاء "البريق" على هذه الحوادث قد تجعل عدوى الانتحار أسوأ.

وحلل الباحثون قصصا عن الانتحار ظهرت في 13 منشورا واسع الانتشار في تورنتو في كندا، ووجدوا ما يقرب من 17000 قصة ذكرت الانتحار، بما في ذلك 6367 مقالا كان محور التركيز فيها رئيسيا على الانتحار. ونشرت القصص بين عامي 2011 و 2014.

بعد ذلك، حلل الباحثون ما إذا كانت القصص مرتبطة بزيادة أو نقصان وفيات الانتحار في الأسبوع التالي للنشر، مقارنة بأسبوع لم تُنشر فيه أي قصص رئيسية ولم يمت أي شخص بارز بالانتحار.

وجدوا أن القصص حول انتحار المشاهير، والعناوين التي تضمنت معلومات حول كيفية اكتمال الانتحار والتصريحات التي جعلت الانتحار يبدو أمرا لا مفر منه، كلها مرتبطة بعدوى الانتحار.

يمكن ملاحظة أنه في الأشهر الأربعة التي أعقبت وفاة الممثل الكوميدي الأميركي روبن ويليامز بالانتحار عام 2014، وجدت إحدى الدراسات زيادة بنسبة 10٪ في حالات الانتحار في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

مشاهدة الشخص لفيديو إنسان ينتحر قد تدفعه للتفكير بسلوك انتحاري، خاصة إذا كان يعاني من مشاكل مادية أو نفسية، وعوض أن يذهب لمن يساعده كطبيب أو صديق أو أحد أفراد الأسرة، فقد يجد أن الانتحار هو الحل الوحيد.

لذلك أنا أدعو لتجريم نشر فيديوهات الانتحار بالقانون، وأن يتم محاسبة من ينشرها ومعاقبته بأشد العقوبات.

رحم الله الشاب الذي قضى، وكان الله في عون أهله. وحمانا الله من الذين فقدوا انسانيتهم ونشروا فيديو الانتحار.

د. أسامة أبو الرب

خبير السياسات الصحية

المصدر : خبرني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى