أخبار الأردن

الدباس يكتب: رحل الرّجُل الرّجل!

الدباس يكتب: رحل الرّجُل الرّجل!الدباس يكتب: رحل الرّجُل الرّجل!

ودعت السلط يوم السبت رجلاً من رجالاتها الكبار ؛ وواحداً ممن كانوا أبرز وجوه هويتها وهيبتها خلال الثلاثين عاماً الماضية ؛ ولو جاز لنا القول لقلنا انها خسرت هذا الاسبوع واحداً من قلاع حكمتها الأخيرة التي تبقت في هذا الزمن الذي ضاعت فيه القيم!

حيث فقدت السلط رجلها الحكيم الوقور الكريم "صبحي البحبوح" الذي ما استقبل انساناً قط طوال حياته الا بلسانه الدافئ ويده الممدودة المفتوحة بالخير ؛ ووجهه البشوش …. فكان عنواناً لفك النشب والاصلاح بين الناس وتكريس القيم التي آمن بها وعمل بها : الكرم والنخوة والشهامة والمروءة والرجولة!

لم يقصد أحدٌ مهما على شأنه أو قل بيت ابو ماهر رحمه الله الا وعاد مجبور الخاطر ومقضية حاجته! وكان رحمه الله من الرجال القلائل الذين لا يرد أحد له طلباً لما عرف عنه من سباقية في الخير وسعي فيه…. ورغم انشغالاته الكثيرة في كل شيء الا انه ما انشغل يوماً عن ارحامه وبقي رجل العائلة الكبير الذي كنا نراه كجبل شامخ نستند اليه من غير عوز ؛ ونعتمد عليه من غير حاجة ؛ ونفخر به في كل مكان نُسأل فيه منين من الدبابسة فنجيب ملتفحين بعباءته التي تتسع للجميع (من البحابيح)!

ورث لقب البحبوح عن أبيه؛ لما عرف عنه من كرم وبحبوحة العيش؛ لكنه كرّس هذا اللقب في كل شيء في حياته … فكان بحبوحاً بحق في كل صفاته : في كرمه وفي تواضعه وفي تعامله اللين مع الناس ؛ حتى في حزمه وغضبه كان بحبوحاً يترك باباً خلفياً مفتوحاً عله يوماً يكون بابا للتسامح والاصلاح!

في قلب ابو ماهر كانت السلط … وفي عينه أهلها ؛ ولعل القصص التي رويت في بيت عزائه طوال الايام الماضية تشبه القصص التي سمعناها في الاساطير بالجود والكرم والبذل في سبيل الله … وهي قصص يجب ان تروى لنفهم قيم الرجال الرجال وسترهم على الناس وتواضعهم الكبير!

ربما كانت خسارتنا في ابو ماهز كبيرة على الصعيد العائلي بعد ان كان ذلك الجبل الدي نرتاح حين نوقن انه في ظهرنا؛ لكن من خسره حقاً هو المجتمع السلطي وما توافد الناس من كل المحافظات الى بيت عزاءه رغم عدم الاعلان عن فتحه الا شهادة حق في هذا الرجل وفي احترامه الكبير على امتداد الوطن من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه!

ابو ماهر كان مدرسة كبيرة في العلاقات العامة ؛ لم يكن يقطع أحداً أبداً …. كان يقف وهو الكبير الكبير للجميع صغيرهم قبل كبيرهم؛ ولعل أحد القصص التي سمعتها بالأمس تلخص أبو ماهر: ترك جنازة انشغل القوم بها في يوم من الايام …. ليسير لوحده في جنازة رجل مقطوع من شجرة لا ولد له ولا تلد ؛ كان صادقا عفوياً ؛ شجاعاً كريماً؛ أحب الناس من قلبه فأحبوه؛ وكان يكسب مقابله من اول لقاء وهو يرحب به (( هلا بالحبيب )) … وهو يلفت نظره (( يا مرحوم الوالدين )) وكان دائما يعمل وهو مقتنع بجملته التي كان يكررها دائماً في مجالس الرجال (( التاريخ يُسجل ولا يرحم ))!

بالأمس تكرر المشهد عدة مرات ؛ رجالٌ مشهود لهم يتحشرجون عند تعديد مناقبه فتذرف دموعهم ؛ وحين نجابر عليهم ونحن المكلومون يجيبون كما اجاب أحدهم (( ابكي لأننا اليوم نفقد شخصاً يشبه أبوي رحمة الله عليهم جميعا ))! وما خروج هذا العدد الكبير من الناس في جنازته رغم انه تم الاعلان عنها قبل ساعتين من موعدها الا تكريم لأبو ماهر وللقيم التي يمثلها … القيم التي اشتاق الناس لوجودها بعد ان فقدناها في حياتنا اليومية … القيم التي كانت تجعل من هذا البلد مختلفاً ومحمياً بعين الرحمن!

رحم الله العم العزيز الكبير ؛ والرجل الوقور الكريم الحكيم ؛ والبركة بأبنائه وأحفاده وذريته ممن تعلموا في مدرسته حب الناس والتواضع لهم والسعي في الخير لهم ومعهم!

المصدر : خبرني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى