أخبار الأردن

أردنة الممول الأجنبي

أردنة الممول الأجنبيأردنة الممول الأجنبي

خبرني – كتب عباس مرتضى النوايسة:

معضلة كبيرة هي التمويل الأجنبي وتبعاته للمؤسسات العاملة في الأردن في الأطر التنموية الاجتماعية الخدمية والاقتصادية والسياسية، وقد صعد الحديث مؤخرا وعلى فترات كثيرة في العقد الاخير ومنذ بداية الربيع العربي على دور هذه المؤسسات الأجنبية الممولِة على شكل وسياسات وسلوك الدولة والناشطين وصولا الى التشريعات والخطط التنموية، وهذا ليس حصرا في الأردن بل يمتد على مستوى عالمي مع خصوصية لدول العالم العربي وما يسمى الدول النامية التي نشطت فيها سفارات ومؤسسات التمويل في العشرية الأخيرة.

ورغم الجانب المشرق البيّن في هذا الدعم خاصة في جانبه الخدماتي والبنيوي إلا أن التغيير البطيء الذي يحدثه العمل في كنف هذه المؤسسات على مستوى العقلية الجمعية للعاملين فيه والمستفيدين منه – وهذا ليس بالضرورة تغييرا ايجابيا بقدر ما هو مخطط له – وأيضا مخاوف الناشطين من سهولة وديناميكية هذه المؤسسات وتمكنها من فرض التشريعات والتغييرات في الإطار القانوني الناظم لجميع مفاصل الدولة وبحركية سلسة مقبولة مما يشكل شكوكا كبيرة لدى العاملين في الشأن العام والناشطين الحذرين من التعامل مع كل ما هو اجنبي. وما يزيد المخاوف هو ضعف المخزون المعرفي والثقافي والديني كظاهرة عامة في الاجيال القائمة لا يستثنى منها أغلب العاملين في ظل التمويل والمستهدفين من برامجه.

هذه التحديات والتي لها تبريراتها وسوابقها صنعت عائقا ضخما أمام اندماج فئة كبيرة من المهتمين في العمل التنموي بشتى مجالاته مع المؤسسات التي تتلقى التمويل الأجنبي نظرا لما يحيط بهذا التمويل من شكوك في المقاصد والمآلات وما يشاهد من تغيير في عقلية العاملين او المستهدفين وعلى مدى بطيء بعيد نسبيا. أي ان التغيير لا يكون لحظيا او فور انتهاء البرنامج المموَل لكنك تلحظه في سلوك أو ثقافة أو عقلية المشارك ولو بعد حين. وأنا قد كنت متطوعا وعاملا في مؤسسات مجتمع محلي تتلقى التمويل الأجنبي وأدرك أن هناك شروطا للتمويل وغايات منه وأدرك أيضا ان في ظل غياب الممول المحلي يجب على إدارات هذه المؤسسات أن تكون على قدر من الحذر والوطنية للتعامل مع سياسات الممول. ولعل وجهة نظري تبدو غريبة في أني مع مشاركة الشباب الوطني الواعي والمثقف في هذه البرامج وذاك لتحقيق أثر مضاد لأثر التمويل على الفئة الأوسع التي قد لا تتوافر فيها دوافع الصمود او المقاومة للتغير البطيء.

وعودة الى مخاوف الناشطين، ولهذه المخاوف عدا عن الملاحظات المرئية ما يعززها على مستوى الأقليم والعالم وما يحدث من اكتشافات لاختراقات أمنية تجسسية واستخبارية كشفت على صعيد المنطقة ليس أخرها فضيحة المؤسسات التجسسسية السبعة عشرة التي كشفت في لبنان وتعمل في غطاء مؤسسات دولية ومنظمات غير حكومية وقبلها الحملة الرسمية على العمل المدني الممول في مصر تحت مسمى القضية 173 لعام 2011 بعد اكتشاف تداخلاته العميقة في العمل العام والتأثير المبرمج في الرأي الجمعي، أما عن أخطر مواقعه فهي فلسطين المحتلة والنشاط الكثيف لهذه المؤسسات منذ أوسلو والتغيير البطيء الذي أصاب ذهنية الشعب المقاوم لصالح التعايش والتكيف والمعيشة!

اذا ما العمل وفي ظل غياب التمويل العربي وهذا ليس لفقر المحيط العربي ولكن الموضوع هو بالأصل السيادة على المال العام العربي وطرق إنفاقه!!

هذه المقدمة وإن بدت سياسية في مجملها إلا أن أصل الحديث خبرٌ مر بسهولة من أمام أعيننا وهو توقيع اتفاقية تعاون مشترك بين شركة برومين الأردن ونادي الإبداع – الكرك وفي النص المقتبس من تصريح نادي الإبداع: " أن هذا الدعم المالي يهدف إلى المساهمة في رفع مستوى التعليم في المجتمع المحلي… بما يسهم في تعزيز مهارات التنافس في سوق العمل للباحثين فيه".

الخبر الذي أعلن في الاول من كانون أول العام الفائت قد يشكل بادرة أولية نحو أردنة الممول الأجنبي والانسلاخ من سطوة وشروط ووكالة الممولين إلى تجويد وتنقية العمل العام في كل مفاصله.

وأنا وإن كنت قد انتقدت سابقا نشاطا ما في نادي الإبداع في بدايات عمله لذات الأسباب التي ذكرت سابقا فإنني وبعد سنين مضت أشهد أن لهذه الحالة الخاصة في العمل التنموي أثرها الطيب على مستوى المحافظة وهو ما يحتاج منا " كناشطين" تعزيزها والبحث عن مصادر إدامة وطنية أوعربية لنشاطها وبرامجها فالمريد للنفع العام لا يوجه سهامه فقط نحو العربة السائرة التي تنجز، بل يحاول أن يحسن مواضع الخلل ومواقع الهفوات وهو ما أظنه متاحا كما ينقل لي من خلال استماع القائمين على هذا النادي لكل من يملك ملاحظة. والملاحظات على شقيها البسيط الذي يستطاع توجيهه والعميق الذي يحتاج زمنا وتدرجا وسعيا لتنفيذه وفي ظل نجاح هذا النادي في كونه مركزا بنائيا تمكينيا فلا يجب أن يترك وحيدا كما ترك قبل سنتين وشارف على الوقوع لضعف الموارد كما أن على النادي نفسه التفكير في الاستقلالية المادية و الاستعانة فقط ببرامج التمويل المحلي والحذر من التغيير البطيء التي تُعمِله المؤسسات الأجنبية الداعمة لبعض برامجه لحين أردنة تمويله.

منذ كانون أول الماضي وأنا أتابع طبيعة البرامج التي أطلقت بدعم شركة برومين الأردن وقد نشر النادي هذه النشاطات على صفحته على فيسبوك وهي نشاطات تهدف الى بناء قدرات المشارك المحلي وتطوير مهارات التنافس لديه وتطوير المهارات الذهنية والعقلية لأجيال مختلفة مشاركة في البرامج والجميل أنه يعتمد جيلا من المدربين المتميزين من أبناء النادي وخريجيه وبالتالي فهو يتسفيد من طلابه لإفادة منتسبيه وبتنامي قاعدة المشاركين في ظل تزايد البرامج سنستطيع سد حالة الفراغ والصمت وأحيانا الشذوذ لآفات مرضية مجتمعية واستبدالها ببناء قدرات الأفراد وتعبئة الوقت والذهنية بما هو نافع بدلا من المألوف الحالي وتبعاته.

اذا بتغييب فرض شروط الممول الاجنبي عن أي برنامج تنموي فإننا نكون في قالب صحيح لتحقيق نفع عام خال من السطوة والإملاءات يبقى علينا اختيار البرنامج الصحيح والمراقبة المالية لأوجه الصرف والإنفاق تحقيقا لمبادئ الشفافية والنزاهة في العمل العام.

ما فعلته شركة الرومين وهي الشركة التي يشهد لها بالدعم المتنوع لمؤسسات وطنية ومحلية كثيرة يمكن أن يعيد فئة كبيرة من الصادين عن مؤسسة ناجحة فاعلة مثل نادي الإبداع الى التعاون معها كما ويؤسس لثقافة يجب ان تترسخ في ذهنية إدارة المؤسسات الوطنية الكبرى بتحويل دعمها وهو موجود ووافر الى دعم فاعل قادر على خدمة مستمرة متنامية وبالتالي تجنيب المؤسسات المحلية العاملة في التنمية والتثقيف والبناء مخاوف التمويل الأجنبي، ولعل الأمر لا يحتاج عملا كثيرا لتحقيقه، فقط تنصيب من هو مؤهل وعلى دراية ويملك الانتماء الحق لهذه الأرض التي تستحق في مناصب القرار.

المصدر : خبرني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى