أخبار الأردن

الكساسبة يكتب..عدنان ابو عودة..الظالم والمظلوم

الكساسبة يكتب..عدنان ابو عودة..الظالم والمظلوم الكساسبة يكتب..عدنان ابو عودة..الظالم والمظلوم

كتب خالد الكساسبة …

قبل قليل مات عدنان ابو عودة ،بموته اسدلت الستارة على فصل اخر من فصول تاريخ الاردن ،حين اكتب عن ابو عودة لا اكتب عن الموت و انما اكتب التاريخ فقط ،بتجرد ،الحكم على التاريخ نتركه للزمن .
ابو عودة عصامي سياسي صنع مناصبه بذكائه لا بواسطته (امتلك نصف واسطة اسمها أبو رسول) ، بفكره لا بعشيرته ، بجده و إجتهاده لا ب نفاقه،نابلسي ارتبط بالسلط ،السلط المكان و السلط القلب ، فلسطيني حمى الاردن ،أردني دافع عن حقوق الفلسطينيين ، كان ضد (العشائرية السلبية) لكنه يحترم (العشائرية الايجابية) و ضد (الفلسطينية التائه المراهقة) التي لا تعرف اين الوطن لكنه مع (الفلسطينية الواقعية المتزنة)التي تعرف وجهة البوصلة ،دافع عن دور الاردن في (معركة الكرامة) و دافع عن (فلسطين) في مواجهة اسرائيل ،الفلسطيني الوحيد الذي انصف وصفي، والاردني الوحيد الذي دافع عن حقوق فلسطيني الاردن (المنقوصة).
إكتشف ابو عودة ان الصنعة سواء كانت ب الصابون، مهنة ابيه ، او الميكانيكا ، حلم حياته لا تكفي ،و ان التعليم الجيد يؤدي الى دخل جيد و حياة جيدة ،لكنه لاحقا إكتشف أن السياسة هي التي ستضعه ف صفحات التاريخ .
الصدفة نقلته من الغربة الى الوطن، و من التدريس الى السياسة ، و من الحياة المدنية الى الحياة العسكرية .
كان الشاب عدنان ابو عودة قد عاد من الكويت و يقضي اجازته الصيفية في الاردن ،ذات يوم كان يعبر من امام البنك العربي في وسط البلد في عمان متجها لمقهى السنترال حين سمع صوتا ينادي : عدنان ،التفت لمصدر الصوت و كانت المفاجأة :كان صاحب الصوت هو (محمد رسول الكيلاني)مدير المخابرات الاردنية انذاك ،تعانق الرجلان ،كان زميلا دراسة فرق بينهما الزمن عشر سنوات و بعد العناق كانت حياة ابو عودة قد تغيرت للابد .
انضم ابو عودة للمخابرات برتبة ملازم ،بعد اربع سنوات و بدفع من واسطته الوحيدة في الحياة : (محمد رسول الكيلاني) ،اصبح رائدا ،و عنصرا مهما في المخابرات متخصصا في السيكولوجيا المعلوماتية ،لا يطلع على تقاريره بجانب (ابو رسول) الا الملك فقط .
قبل سنوات وعندما طفح الكيل ب عدنان ابو عودة الذي انحاز للدولة الاردنية في مواجهة فوضى ايلول ،وتحدث عن الحقوق المنقوصة هب (اهل القرية) لنجدة( قطيع الاغنام) من (الذئب )الذي لا حقيقة له الا في خيال( الراعي) فالبسوا ل ابو عودة قميص الخيانة .
مثلما غير ابو عودة وظيفته مرتين ، و مكان عمله مرتين ، و استقال من المخابرات مرتين :مرة لطموح مهني و مرة لطموح مالي ،فإنه ايضا ترك حزبه مرتين مرة انتقل من حزب التحرير الى الحزب الشيوعي، و مرة من الحزب الشيوعي الى حزب الدولة .
قبل احداث ايلول بعام التقى ابو عودة بوصفي ،كان يزوره في الكمالية،رغم صداقتهما القصيرة لكن ابو عودة ظل متاثرا بوصفي طوال حياته.
١٩٨٤ ،كنت في الرابعة عشر من عمري،سمعت باسم ابو عودة لاول مرة ،تم تعيينه وزيرا ل البلاط خلفا ل عامر خفاش ،بعدعشرة اعوام التقيته لاول مرة في مكتب علي السعد رئيس حزب التقدم و العدالة الذي كان ابوعودة رئيسه الفخري حين كنت في بداياتي الصحفية،انبهرت بفكره لكن لم يشدني منطقه .
قبل هذا اللقاء ب24 عاما كنت ابلغ من العمر ستة اشهر و كان ابو عودة يتلقى اثقل تكليف في حياته؛ وزير اعلام في الحكومة العسكرية التي ستنهي سيطرة المنظمات الفلسطينية على الاردن.
بعد زمن طويل كتبت مقالا في القدس العربي قلت فيه :
(إن فلسطينيي الاردن يشكلون حالة استثنائية تختلف عن فلسطيني سوريا او لبنان او العراق كما تختلف عن باقي الاصول الموجودة في الاردن مثل الشركس والاكراد والارمن فهم مطلوب منهم ان يكونوا اردنيين اكثر من الاردنيين وفلسطينيين اكثر من فلسطيني الداخل وهم لا زالوا بنظر الاردنيين مجرد فلسطينيين فقط وبالنسبة لفلسطيني الداخل هم اردنيين فقط، وان تحويل الاردن ل (وطن للفلسطينيين) الذين قدموا مع بدايات تأسيس المملكة واعطائهم حقوقهم الكاملة لا يعني بالضرورة تحويل الاردن ل ( وطن الفلسطينيين).اتصل بي و قال لي :اشكرك :كأنك تتحدث عني .
عاش ابوعودة في صراع بين فلسطينيته و اردنيته : الاردنيون يريدون منه ان يكون اردنيا اكثر من الاردنيين و الفلسطينيون يريدونه فلسطينيا اكثر من الفلسطينيين ،و ابو عودة يريد أن يكون مرآة نفسه :العصامي الفقير الذي اقتحم عالم السياسة و البلاط و أنتصر على أحلامه:أ قصى احلامه كانت أن يكون ميكانيكي ماهر ،لكنه أضحى بالصدفة ،بالذكاء،بالعقل :سياسي مؤثر بين بلد و شعبين ،كان يريد أن يكون اردنفلسطيني في ذات الوقت .
بعد خمسين عاما على احداث ايلول ينظر بعض الاردنيين ل ابو عودة كبطل و البعض ك ناكر ل الجميل ،و ينظر بعض الفلسطينيين له ك خائن و البعض يعتقد أنه شده الحنين .
العقل و الذكاء احيانا يتعبان الانسان ،و لعل ابو عودة كان يعيش صراعا داخليا متعبا بين عقله و عقل من حوله و صراعا نفسيا عميقا فرضته عليه اصوله الفلسطينية و انتمائه الاردني .
يرحل ابو عودة اليوم وسط جدلية الهوية الاردنية التي حتى الان لم تعرف من هو الاردني .
مشكلة الاردنيين و الفلسطينيين هي انهم يحكمون بمنطق الحق (الذي يؤمنون به )، لا بمنطق الحقيقة لهذا فان ابو عودة بالنسبة للطرفين اما ظالما او مظلوم و لا توجد نظرات وسطى .

المصدر : خبرني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى