المقصر أولى بالخسارة… فمن المقصر(ين)؟

المقصر أولى بالخسارة… فمن المقصر(ين)؟
الكهرباء ليست فقط بسلعة تباع وتشترى انما هي حاجة بشرية للإنسان منذ القرن العشرين كما انها تعتبر مؤشر لنوعية حياة المواطنين اضافة لكونها مؤشر للنمو الاقتصادي -من خلال الكيلوواط ساعة للفرد- ولكن لسبب او لآخر كلما ارتفع استهلاك الأردنيين للكهرباء تنشر بعض وكالات الأنباء الخبر بنبرة من التحسر وعلى وزن ''ينهبون" بدلا من الابتهاج بافتراض ارتفاع مستوى المعيشة لا سيما وان عدد سكان الاردن بلغ مستوى قياسي فبالتالي من المنطقي ارتفاع الاستهلاك لمستوى قياسي كما أن الانقطاعات في الكهرباء التي عانى منها الأردنيين كانت قياسية.
وقبل التطرق للجهات المقصرة، فإنه من الضروري فهم واقع الكهرباء من ناحية اقتصادية وادارية؛ ففي خضم توسع انتشار الكهرباء في دول العالم، أدرك القائمون على القطاع بأن للموردين الأوائل ميزة تنافسية كما أنه وفي ضوء المبالغ الباهظة للتوليد والنقل والتوزيع فإنه من المنطقي توزيع هذه النفقات على اكبر قدر من الناس فيما يسمى بوفورات الحجم بدلا من صرف هذه المبالغ عدة مرات وتقسيمها على عدد اقل من المستخدمين فطبقت ظاهرة الاحتكار الطبيعي لقطاع الكهرباء وهو معاكس للقاعدة الاقتصادية العامة بان المنافسة تحسن الخدمة وترفع كفاءتها وبذات الوقت تخفض سعرها للمستهلك كما هو الحال في العديد من القطاعات الاقتصادية.
وعليه ولضمان استمرارية تقديم الخدمة وعدم التعسف باستخدام وضع المزود المهيمن اي "التوغل" على جيب المواطنين وضمان تنافسية القطاعات الاقتصادية تنشئ السلطات التنفيذية في الدول هيئات كهيئة تنظيم قطاع الاتصالات وهيئة تنظيم قطاع الطاقة ومديرية المنافسة والتي ربطها المشرع الاردني بوزارة الصناعة والتجارة والتي تعمل بذات الفلسفة التي تعمل بها مؤسستي الغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس لضمان جودة المنتج بأقل الطرق تكلفة وبناء الثقة في عقول وقلوب المواطنين.
وهنا يكمن مربط الفرس اي الوجع الذي على السلطة التشريعية عند مسائلة الحكومة وضع اليد عليه، حيث ان على هذه الهيئات التنظيمية العمل باستباقية وقد سبق وأن خذلت هذه الهيئات المواطن الاردني كما هو الحال في الانقطاع الكهربائي الأخير.
اما ومن ناحية واقعية وفي ضوء غياب كفاءة السلطة التشريعية على الرقابة الفاعلة فعلى المواطنين والقطاعات الاقتصادية التوجه للزملاء المحامين واغراق شركة الكهرباء بدعاوى حقوقية يطالبون بها بتعويضات عما تعرضوا له من اضرارا مادية ومعنوية وكسب فائت في ضوء الأخطاء الجسيمة التي اقترفتها شركة الكهرباء كما أن على مديرية المنافسة لدى وزارة الصناعة والتجارة التحرك في ضوء إساءة استخدام شركة الكهرباء لمركزها المهيمن لعل وعسى يكون ذلك دافعا لإزالة الضرر بأسرع وقت ممكن مستقبلا والوقاية منه.
وهنا من الجدير بالذكر انه ليس من الممكن التمسك بنظرية القوة القاهرة وذلك للقدرة على توقع السيناريو الذي وقع وبالذات في ضوء الجفاف الذي تعرضوا له الصيف الماضي. فقد نشأ في علم الأرصاد الجوية منذ ما يقارب العقد من الزمن اسناد الظواهر الجوية المتطرفة للنشاط الانساني، ويعرف بالإنجليزية ب extreme event attribution حيث ان هذا المجال العلمي يعنى بدراسة الظواهر الجوية المتطرفة بمعنى الشديدة وغير المعتادة سواء كانت مرتبطة بالحر الشديد او البرد القارص او بجفاف او فيضانات وربطها بتأثير النشاط الإنساني على المناخ والتي من المتوقع ازدياد وتيرتها على العالم اجمع ومنطقة شرق المتوسط والتي ليست بمنأى عن ذلك قد شهدت كما نظيراتها من حرائق وفيضانات وهطولات قياسية أثرت على قطاعات واسعة كالنقل والزراعة والتأمين وأسواق الاسهم مما حدى بالدول اتخاذ إجراءات احترازية لمجابهتها لا سيما وازدياد صعوبة توقع الحالة الجوية في ضوء التغير المناخي.
بناء على ما سبق، فإنه ليس من الممكن أن ننظر للحالة الجوية كقوة قاهرة انما بالظواهر التي سنعيشها مرارا وتكرارا في للمستقبل القريب وعلينا الاستعداد لها بالعلم وبالمؤسسية.
المصدر : خبرني