القرم تشعل الصراع الروسي الأكراني مجددا

القرم تشعل الصراع الروسي الأكراني مجددا
خبرني – رصد
في عام 2014، أطاحت احتجاجات شابها العنف في العاصمة الأكرانية كييف، بالرئيس المنتخب (والموالي لروسيا) فيكتور يانوكوفيتش.
منذ ذلك التاريخ، أصبحت شبه جزيرة القرم محور اخطر أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، بين روسيا من جهة، وأكرانيا المدعومة من الغرب من جهة أخرى.
وفي تلك الفترة، سيطرت قوات موالية لروسيا على القرم، وبعد ذلك صوت سكان المنطقة – وغالبيتهم من ذوي الأصول الروسية – في استفتاء عام للانضمام الى روسيا الاتحادية، ولكن أكرانيا والدول الغربية قررت ان الاستفتاء كان غير شرعي.
خلفية تاريخية
للدخول في أساس الصراع، لا بد من العودة لتاريخ جمهورية القرم، التي لا تزال رسميا جزءا من أوكرانيا، وتقع في شبه جزيرة تمتد من جنوبي أوكرانيا بين البحر الأسود وبحر آزوف، فيما يفصلها عن روسيا من الشرق مضيق كيرش.
كانت شبه جزيرة القرم تقع تحت سيطرة اليونانيين والرومان لعدة قرون، ولكن في عام 1443 اصبحت مركز دولة تتارية سيطر عليها لاحقا العثمانيون.
وأدى التنافس بين الدول الكبرى في اواسط القرن التاسع عشر الى اندلاع (حرب القرم)، والتي حاربت فيها بريطانيا وفرنسا – المتخوفتان آنذاك، من الطموحات الروسية في بلاد البلقان – روسيا للاستحواذ على إرث الدولة العثمانية الآفلة.
اندلعت حرب القرم عام 1853، بين الدولة العثمانية وروسيا، حيث دخلت مصر وتونس وبريطانيا وفرنسا الحرب إلى جانب الدولة العثمانية في 1854، ثم لحقتهم مملكة سردينيا، التي أصبحت في ما بعد مملكة إيطاليا.
وخلال الحرب، كانت شبه جزيرة القرم مسرحاً للمعارك والمواجهات بين الطرفين، وانتهت حرب القرم في عام 1856 بهزيمة الروس وتوقيع اتفاقية باريس.
ومنحت شبه جزيرة القرم حكما ذاتيا باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي عقب الثورة البلشفية عام 1917، واحتلها النازيون في اوائل عام 1940 قبل ان يطردوا منها.
ظلت القرم جزءا من روسيا الى عام 1954، وعندها قام الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف باهدائها الى جمهورية أوكرانيا السوفيتية آنذاك "من أجل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين".
التتار – القرم – أكرانيا
اتهم الزعيم السوفيتي جوزف ستالين تتار القرم بالتواطؤ مع المحتل النازي، ولذا قام بتسفيرهم الى آسيا الوسطى وسيبيريا في عام 1944 في عملية كلفت أرواح الكثيرين منهم.
ولم يسمح لهؤلاء التتار بالعودة الى موطنهم الأصلي في القرم الا بعد انهيار وزوال الاتحاد السوفيتي.
وعندما عادوا – وكان عددهم يناهز الربع مليون – في اوائل تسعينيات القرن الماضي وجدوا انفسهم في دولة مستقلة جديدة هي أوكرانيا حيث واجهوا نسبة بطالة عالية جدا وظروف سكن رديئة للغاية، لذا نشبت توترات واحتجاجات متواصلة تتعلق بحقوق الملكية إذ ان تمليك الاراضي في القرم للتتار كان أمرا خلافيا في أكرانيا.
عقب اعلان استقلال أوكرانيا، سعى سياسيون روس في القرم الى توثيق علاقات شبه الجزيرة مع روسيا والى تثبيت سيادتها من خلال سلسلة من الخطوات وصفتها الحكومة الأكرانية بأنها منافية للدستور الأكراني.
وينص الدستور الأكراني الذي سن في عان 1996 على أن القرم لها وضع الجمهورية ذاتية الحكم، ولكنه نص ايضا على ان القوانين التي تسن في القرم يحب ان تتماشى مع القوانين الأوكرانية.
وللقرم برلمانها الخاص وحكومة لها صلاحيات للتحكم بالأمور الزراعية والسياحية وتلك التي تتعلق بالبنية التحتية.
ولتتار القرم برلمان خاص غير رسمي – يدعى المجلس – يقول إن الغرض منه اعلاء حقوقهم ومصالحهم.
ميناء سيفاستوبول..أساس الصراع
تعد مدينة سيفاستوبول المطلة على البحر الأسود، مدينة المجد العسكري الروسي ولها أهمية هائلة في تاريخ روسيا العسكري، وهي حاليا مقر لأسطول البحر الأسود الروسي.
ورغم وقوعها في أراضى أكرانيا، ظلت موسكو ترفض بشدة سحب الاسطول الروسي من المدينة، إلى أن تم ضمها إلى روسيا عام 2014.
بعد الحرب العالمية الثانية اعيد بناء المدينة، وجمع للذلك المئات من المهندسين والنحاتين من كييف وسانت بطرسبرغ وموسكو وآلاف من العمال وانتهت أعمال البناء في منتصف الخمسينيات وتم تخطيط المدينة على نحو جيد
وخلال العهد السوفيتى، أصبحت سيفاستويول مدينة مغلقة بمعنى انه لا يحق لاحد من غير سكانها حتى السوفيتى الجنسية زيارة المدينة الا بالحصول على ترخيص من السلطات الحكومية وان تكون تلك الزيارة لفترات محدودة للغاية وفقا للترخيص الحكومي.
وفي عام 1991 أصبحت سيفاستوبول مدينة أوكرانية بعد استقلال أكرانيا، وفي عام 1997 وقعت أكرانيا مع روسيا اتفاقية تتمكن روسيا بموجبها من إدارة القواعد البحرية بالمدينة.
كان الاتفاق يقضي ببقاء الاسطول الروسي في مقره في سيفاستوبول حتى عام 2017، ولكن بعد انتخاب فيكتور يانوكوفيتش المؤيد لروسيا رئيسا لأكرانيا في عام 2010، وافقت أوكرانيا على تمديد بقاء اسطول البحر الأسود في سيفاستوبول بـ 25 سنة بعد 2017، مقابل حصول أوكرانيا على الغاز الروسي باسعار تفضيلية.
الصراع الروسي الاكراني
تقول اكرانيا إن الكرملين استغل فراغ السلطة في كييف من أجل ضم القرم في آذار عام 2014، ومنها بدء قوات روسية شبه عسكرية في حشد منطقة الدونباس الغنية بالفحم شرقي أوكرانيا من أجل انتفاضة.
كما أعلنت جمهوريتان شعبيتان في دونيتسك ولوهانسك، يترأسهما روس.
أما الحكومة في كييف، فقد انتظرت حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية في أيار 2014، لتطلق عملية عسكرية كبرى أسمتها "حرباً على الإرهاب".
وفي حزيران من نفس العام، التقى الرئيس الأكراني المنتخب للتو، بيترو بوروشينكو، وبوتين لأول مرة بوساطة ألمانية وفرنسية، على هامش الاحتفال بمرور سبعين عاماً على يوم الإنزال على شواطئ نورماندي. خلال ذلك الاجتماع وُلدت ما تسمى بـ"صيغة نورماندي".
آنذاك، كان بإمكان الجيش الأوكراني دحر الانفصاليين، إلا أنه في نهاية آب، تدخلت روسيا – بحسب الرواية الأوكرانية – بشكل هائل عسكرياً.
وفي المقابل تنكر موسكو كل ذلك.
الفرق العسكرية الأوكرانية قرب إيلوفايسك، وهي بلدة تقع شرق دونيتسك، تعرضت للهزيمة. هذه كانت لحظة محورية. لكن الحرب على جبهة موسعة انتهت في أيلول بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في مينسك، وبعد الاتفاق، تحول الصراع إلى حرب بالوكالة تدور رحاها حتى اليوم.
أفق الصراع في القرم
في مطلع عام 2015، شن الانفصاليون هجوماً، زعمت كييف أنه كان مدعوماً بقوات روسية لا تحمل شارات تعريف، وهو ما نفته موسكو. منيت القوات الأوكرانية بهزيمة ثانية جراء الهجوم، وذلك في مدينة ديبالتسيفي الاستراتيجية، والتي اضطر الجيش الأوكراني للتخلي عنها بشكل أشبه بالهروب. آنذاك – وبرعاية غربية – تم الاتفاق على "مينسك 2"، وهي اتفاقية تشكل إلى اليوم أساس محاولات إحلال السلام، وما تزال بنودها لم تنفذ بالكامل بعد.
وفي خريف عام 2019 كان هناك بصيص أمل، إذ تم إحراز نجاح في سحب جنود من الجهتين المتحاربتين من بعض مناطق المواجهة.
لكن منذ قمة النورماندي التي عُقدت في باريس في كانون الأول عام 2019، لم تحصل أي لقاءات، إذ لا يرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء شخصي مع الرئيس الأكراني الحالي، فلودومير زيلينسكي، لأنه – من وجهة نظر موسكو – لا يلتزم باتفاق مينسك.
ومنذ كانون الأول عام 2021، يطلب الرئيس الروسي بشكل علني من الولايات المتحدة ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تتلقى مساعدات عسكرية، لكن الحلف لم يرضخ لهذه المطالب.
ولا تبدو أفق الصراع في طريقها للحل، كما يرى مراقبون، إلا بتنازل الطرفين اللذين يقدمان الحجج تلو الحجج لدعم وجهة نظرهما في موقفهما المتزمت، والجلوس معا لحسم الصراع سلميا.
المصدر : خبرني